إلى الورود النَّاضرة التي هجرتْها النَّسائم النديَّة، وغابت عن خمائلِها خيوطُ الشَّمس الدافئة.
إلى الضَّفائر الحالمة التي فارقت أنامِل أمٍّ حنون، ولا تزالُ تنتظِر مَن يؤلِّف بيْن خصلاتِها المتناثرة.
إلى العيون الدَّامعة والأهداب الكسيرة، والأشواق التَّائهة، والأفكار الحائرة.
إلى الأغصان التي فارقَتْها البلابل، والحقول التي ذَبُلت فيها السَّنابل.
إلى البسمات الخافتة، والأحلام الجريحة، والأماني الواعدة التي ظلَّت حبيسةَ الأذهان الغضَّة.
إلى مَن لا يَجدون حِضنًا دافئًا يرتَمون فيه، ولا صدرًا واسعًا يلتجِئُون إليه، ولا قلبًا كبيرًا يحتملُ عبَثَهم المحبَّب وخصوماتِهم البريئة، ولا جدارًا آمنًا يَحتمون خلفَه.
إلى مَن لا يَجدون من يُصغي إلى مشاعرِهم غيْر الدُّروب الصمِّ، والزَّوايا المظلِمة، والمنازل المهْجورة، والمعابر المُغْلقة، فيبثُّونَها أحزانَهم ويؤنِسونَها بأشجانِهم.
إلى مَن فقدوا آباءَهم وأمَّهاتِهم وزملاءَ دراستِهم، وحقائبَهم الغالية.
نتألَّم من أجلِكم - أيُّها الأحبَّة - وأنتم تُعانون الألَم، حيث أصبحتْ أجسادُكم الطريَّة درايا لصدِّ قذائف الصَّهاينة الغاشِمين.
أصبحتْ أجسادُكم حقْلَ تَجارب لأسلحةِ اليهود الفتَّاكة التي لا تُبْقِي ولا تَذَر.
أحبَّائي، ما أشدَّ معاناتَكم وأنتم تنامون تحتَ أزيز الرَّصاص، وتحلمون بِمناظر الدبَّابات المخيفة، وأصواتِ الطَّائرات المرعبة!
ما أشدَّ معاناتَكم وأنتم تُشاهدون أمَّهاتِكم وآباءَكم وأشقَّاءكم ينزفون دمًا، ويموتون قبل أن تصِل إليهم سيَّارات الإسعاف!
ما أصعَبها من لحظاتٍ عندما تَخرجون فتشاهِدون المسجد مهدَّمًا، والمدرسة أكوامًا من الركام المختلِطة بالسبورات الخضْر، التي طالما كتبتم عليها!
نتألَّم من أجلِكم كثيرًا، وأنتم تُمضون اللياليَ الشَّاتية على ضوْءِ الشُّموع، وتبيتون جياعًا دون أن تجِدوا كِسْرة خبز تسدُّ رمقَكم.
أكتبُ هذه الكلِمات الممزوجة بدموع الدَّواة، وصدْق المناجاة، وأنين السُّطور، وبكاء الحروف، إلى الذين لم يفرحوا بالملابس الملوَّنة، والألعاب المسلِّية، والوجبات الجاهزة.
أبنائي، يا أيُّها الأبطال الشُّجعان، يكْفيكم فخرًا أنَّكم تُواجِهون الدبَّابات بصدورِكم الفتيَّة، وحجارتِكم الصَّغيرة.
أنتم غِراس الأقْصى، وثِمار يافا، وأسْوار حيفا، وشواطئ عكَّا بإذن الله.
أبنائي، لا تُسْلِموا أنفُسَكم لليأس، وأمَّهاتكم لا يفتأن ينجبْنَ الأبطال أمثالكم.
وآباؤكم لا يزالون يعطِّرون ثرى فلسْطين الغالية بدمائِهم الزَّكيَّة.
آمل أن تنسجُوا من لحظات الحِرْمان ثياب الفرح، وتكتُبُوا بأقلام الصَّبْر سُطُور النَّجاح، وبشائر الأمل، وتُلوِّنوا بِمداد الأسى آفاقَ دنياكم الحالِمة.
وثِقوا - أيُّها الأحبَّة - أنَّ الله ثم التاريخ سيُحاسب الصَّهاينة المُجْرِمين الذين روَّعوكم، وسرقوا الفرح من فوْقِ شِفاهِكم، وكسروا ألعابَكم، ومزَّقوا دفاتركم.